الحياء من الإيمان و الإيمان في الجنةهكذا عباد الله، يكون الاستحيـــــاء من الله، و عنه يتولد الاستحياء من الناس.. و
مظاهر هذا الأخير كثيرة لا بأس من ذكر بعضهــــا لأنّ التأسي بها يتسبب لنا في
دخـول الجنـة. قـال رسول الله
فيما يرويه الإمام أحمد
:
الحياء من الإيمان و الإيمان في
الجنة.
فمن الحياء، أن يقتصد المسلم في الكلام عند حضور
المجالس، حتى لا يضجر الحاضرون من طول ثرثرته. روى الترمذي عن رسـول الله
:
إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما
تتخلل البقر.
و من الحياء أيضا أن يتحرى الإنسان عدم التلفظ
بالكلام الفاحش على مرأى و مسمع من الناس لأن الرسول
قال : ليس المؤمن باللعان و لا بالفاحش البذيء. و لقد كان اليهود
يسّلمون على رسول الله فيقولون عوض السلام: السام عليكم، فأجابتهم عائشة (r) بقولها
: و عليكم السام و الموت و اللعنة، فنهاها سيد الأنام و علمها أن تقول و
عليكم، لأن المسلـم ينبغي له أن يتفادى السب و الشتم و الفحش فهذه الثلاثة
كلها لا تليق به و لا بخُلقه.
ثم إن من الحيـاء كذلك أن يخجل الرجل من أن
يصدر عنه سوء يخدش مروءته أو يستنقص من سمعته. ففي الأثر : من
ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر. و قد قيل : من عمل
في السر عملا يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر... و من ثم كان من
اللازم على المسلم أن يبتعد عن الدنايا سواء خلا بنفسه أو برز إلى الناس.
و
من مظاهر الحيـاء عباد الله، أن نعرف الحق لأصحابه و نعطي كلَّ ذي منزلة منزلتـه و
كلَّ ذي فضل فضله... فعلى الصغير أن يحترم الكبير و على الغني أن يرحم الفقير و على
المرؤوس أن يطيـع الرئيس و على التلميذ أن يجل من يعلمه و هلمّ جرا... ففي الحديث
أن رسول الله
قال :
تواضعوا لمن تعلَّمون منه. و قال عليه السلام : ليس منا من لم يجلّ كبيرنا و يرحم صغيرنا و يعرف لعالمنا
قدره.
و يكفي من هذا كله أيها الإخوة الكرام أن نتأسى بالقدوة العظمى
و المثل الأعلى سيدنا محمد
. فقد كان عليه السلام
أشد حياء من العذراء في خدرها حتى قال أحدهم : إنه كان إذا رأى
شيئا يكرهه عرفناه في وجهه.
نفعني الله و إياكم بالقرآن الكريم و
بحديث سيد الأولين و الآخرين و يرحم الله عبدا قال آمين.
الحمد لله رب
العالمين و الصلاة و السلام على الحيي الأمين سيدنا محمد إمام الغر المحجلين. أما
بعد فيا إخوة الإسلام و أحبة الإيمان، كنت في طريقي إلى المسـجـد، فشاهـدت حادثتين
جعلاتني أفكر في موضوع الحياء لخطبة اليوم. و الله تعالى يقول :
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما
فوقها
و بموجب هذه الآية، فإنني لن أستحيي في ذكر الحادثتين من
أعلى هذا المنبر، لأدق ناقوس الخطر و أبيِّن المستوى الرديء الذي وصل إليه مجتمعنا،
من حيث الأخلاقُ عامة و الحياءُ خاصة :
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين...
الحاكمين
أما الحادثة الأولى فهي لشابين مراهقين مرت بهما فتاة،
فإذا بأحدهـما يقول للآخر : "و حق هذه النعمة اللي دازت من هنا". انظروا
إخواني إلى أي مستوى وقع الحياء فيما بيننا، و كأن المرأة أصبحت أكلة شهية من بين
المأكولات التي تعرض على الزبناء. و ليس غرضي هنا أن أخوض في الكلام عن الإباحيين
الذين يسعون إلى تحويل "الجنس اللطيف" إلى سلعة ثمينة تباع و تشترى و يحلف بها. كما
لا أريد أن أتطرق إلى كون الشاب قد أقسـم بغير الله و ما في ذلك من شرك و كفر و
شبهة.
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
و
أما الحادثة الثانية، فهي لطفل صغير مع أبيه قد توقف على قـارعة الطريـــق و شرع
يتبول أمــام طفله، دون اكتراث و لا حشمة
و لا وقار. لقد مر رسول الله
على قبرين فقال : إنهما يعذبان و ما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان يمشي بين الناس
بالنميـــمــة، و أما الآخر فكان لا يستتر من بوله.
اللهم أصلح
لنـــا ديننا الذي هو عصمة أمرنـا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلـح
لنا آخرتنا التي إليها معاذنا و اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير و اجعل الموت راحة
لنا من كل شـر. و صل اللـهـم على سيدنا محمـد و على آله و صحبه أجمعين.